إن قضية فلسطين اليوم لم تَعُدْ تحتمل القيلَ والقال، أو كثرةَ السؤال، فهي قضيةُ المسلمين كافةً، لذا كانت حديثَ مجالسهم، ومادةَ خُطبهم، وحِبْرَ كُتبهم، وزفراتِ قلوبهم، وآهات صدورهم، وديوانَ شعرهم، وأسفارَ نثرهم..!
(القدس)، في الاعتقاد الإسلامي، لها مكانة دينية مرموقة، اتفق على ذلك المسلمون بجميع طوائفهم ومذاهبهم وتوجهاتهم، فهو إجماع الأمة كلها من أقصاها إلى أقصاها.
ولأرض فلسطين مكانة عظيمة في قلب كل مسلم، فهي: أرض مقدسة ومباركة([1]) بنص القرآن الكريم، وفيها المسجد الأقصـى أول قبلة للمسلمين، وثاني مسجد بُنِي لله في الأرض، وثالث المساجد مكانة في الإسلام. وهي أرض الإسراء، فإليها أُسري بمحمد (صلى الله عليه وسلم)، وهي أرض الأنبياء؛ فقد ولد في هذه الأرض، وعاش عليها، ودفن في ثراها، الكثير من الأنبياء - عليهم السلام -، الذين ذكروا في القرآن الكريم. وهي تعدّ في المنظور الإسلامي أرض المحشـر والمنشر، وعقر دار الإسلام، والمقيم المحتسب فيها كالمجاهد في سبيل الله، ومركز الطائفة المنصورة الثابتة على الحق إلى يوم القيامة.
ولا غرو أن يلتزم جميع المسلمين بوجوب الدفاع عن القدس، والغيرة عليها، والذود عن حماها، وحرماتها ومقدساتها، وبذل النفس والنفيس في سبيل حمايتها، ورد المعتدين عليها، وذلك للأسباب الآتية:
لذلك، تعد قضية فلسطين نقطة الارتكاز في ميدان القضية الإسلامية والجهاد الإسلامي. وقضيتها حديث القضايا الإسلامية، وساحتها محطة اختيارٍ وكشفٍ لقوة المسلمين وغيرتهم على دينهم وأوطانهم وحرماتهم، فهي أرض المسلمين، ولا تصلح إلا للمسلمين، أرض أظهرت صور رجالها البواسل حينما أخرجت العالم من مكتبه، والعامل من معمله، واستنجدت المرأة في بيتها، والطفل في مدرسته، أمسوا على وهج النار، وأصبحوا على دخان البارود، إنهم يدافعون عن دينهم وكرامتهم، إنهم يسوقون في وجوه الغاصبين شباباً أنضـر من الزهر، وأبهى من الوضاءة، وأثبت من الجبل، وأمضـى من العاصفة، إنهم يكافحون بشيوخٍ لهم حماسة الشباب، وشبابٍ لهم حكمة الشيوخ، ونساء لهم قوة الرجال، وصغار لهم عزائم الكبار.
إن الشعوب والجماهير في حاجة إلى من يوقظهم من رقود، ويبعثهم من همود، ويحركهم من جمود، وينير عقولهم بالمعرفة، ويحرك عزائمهم بالإيمان، ويدفعهم إلى العمل والتكاليف من أجل حياة طيبة، يرضون فيها ربهم، ويسعدون فيها أنفسهم، ويخدمون فيها وطنهم وأمتهم.
وهذا هو دور العلماء والدعاة والمفكرين، وحملة الأقلام، الذين يقودون أوطانهم وشعوبهم في معارك التحرير والاستقلال، ومعارك النهوض والبناء، ولا تزال الأمة بخير ما كان لأهل العلم والفكر كلمة مسموعة في توجيه مسيرتها، وترشيد حركتها، وتسديد خطاها على الطريق القويم.
لأجل هذا كانت القضية الفلسطينية بالنسبة للعلماء الربانيين، محطَّ أنظارهم، ومحلَّ أفكارهم، ومادةَ تأليفهم، وموطنَ عبراتهم، وليلَ آهاتهم..
ولقد منّ الله على بلاد الرافدين في العصـر الحديث بعلماء ساروا على سيرة سلفهم الصالح من أمثال أبي حنيفة والشافعي وأحمد، وقبلهم سفيان والحسن البصـري - عليهم رحمة الله أجمعين - ولقد كان من صفتهم، مثل سلفهم؛ التواضع والزهد في المديح، والذين ضربوا أمثلة رائعة في الثبات على العقيدة والزهد وتبني قضايا المسلمين.
ومن هذا المنطلق جاءت هذه المحاولة لجمع جهود الشيخ الجليل أمجد الزهاوي - رحمه الله - في:
كما أن الشيخ أمجد الزهاوي - رحمه الله - كان يريد بدعوته وعمله في نصـرته لقضايا المسلمين، وخاصة قضية فلسطين: أن ينبه الغافلين، ويوقظ النائمين، ويذكر الناسين، ويشجع الخائفين، ويثبت المترددين، ويكشف الخائنين، ويشد على أيدي المجاهدين، الذين رفضوا الاستسلام، وتحرّروا من الوهن، وصمموا على أن يعيشوا أعزاء، أو يموتوا شهداء.
وعرف عن الإمام أمجد الزهاوي - رحمه الله - شدة اهتمامه ومتابعته لقضايا المسلمين، وأنه كان يوليها عنايته واهتمامه، ومحاولة دفع الأذى عنهم حيثما كانوا، فكانت تتوافد عليه الوفود من ديار المسلمين كافّة، فكان يستقبلها ويسأل عن أدق تفاصيلها، وتأتيه الرسائل من مختلف الشخصيات والهيئات الإسلامية. وكان - رحمه الله - كثير الأسفار، بالرغم من كبر سنه، يتفقد أحوال المسلمين، ويفقههم بأمور دينهم وواجبهم تجاه ربهم وتجاه قضاياهم.
كانت رحلات الشيخ لله، ومن أجل نصـرة قضايا المسلمين، ولم تكن يوماً للراحة والاستجمام والسياحة. وقد سافر وحضـر المؤتمرات من أجل فلسطين خاصة، وقضايا المسلمين عامة، كقضية الجزائر وثورتها المظفَّرة، سافر إلى بلاد الشام، والحجاز، ومصـر، وباكستان والهند، وشمال أفريقيا، وإندونيسيا، وماليزيا، مرات ومرات، كان فيها يلتقي العلماء العاملين، والزعماء الصالحين، ويشـرح لهم المهمات التي ارتحل من أجلها، وخاصة أبعاد القضية الفلسطينية، مبيناً لهم دورهم، وداعياً المسلمين إلى الجهاد بالمال والنفس واللسان لتحرير فلسطين، كما كان يحثهم على العمل الجاد لإصلاح أحوال المسلمين.
ومما يدل على اهتمامه الشديد بأمور المسلمين، أنه حينما دعي لرئاسة المؤتمر الإسلامي في (كراتشـي) عام 1953م، وكان - رحمه الله - قد تجاوز الستين من عمره، ويعاني كذلك من آلام نتيجة كسـر عظام الحوض، فأبى رحمه الله إلاّ أن يسافر.. وبالفعل فقد وضع على كرسي ذي عجلات وحمل إلى الطائرة.
وكان الشيخ - رحمه الله - يركز في خطبه على الدعوة، ووحدة الصف، وعلى البذل والعطاء والسخاء والإنفاق في سبيل الله تعالى. ومن أقوال الشيخ الشهيرة، وحكمه الرائعة، قوله:
لقد عاش الشيخ الزهاوي للإسلام، فعاش في قلوب الناس.. وتجرد لله، فأحبه الناس من أعماق قلوبهم. ولقد كان الشيخ الزهاوي رجلاً ربّانياً، بكل ما في الكلمة من معنى.. كان كبير الروح، كبير القلب.. ورعاً في غاية الورع.. ذكياً ألمعياً.. وفقيهاً مجتهداً بارزاً بين علماء العالم الإسلامي في هذه المرتبة.. لذلك فهو كبير علماء العراق، بل ومن كبار العالم الإسلامي.. ورجل الفتوى بينهم.. إذا قال كلمة، سكت العلماء لقولته، إجلالاً لعلمه وتقواه وورعه([2]).
ولم تشغل الشيخ الزهاوي قضية مثلما شغلته قضية فلسطين، فقد لازمها منذ بدايتها إلى آخر يوم في حياته، وعدها قضية الإسلام الكبرى، وبذل في سبيلها كل ما يملك من دعم مادي ومعنوي، فضلاً عن أنه راح يبحث عن حلول لها، ومن خلال دراستها وجد الشيخ الزهاوي أن حلها لن يكون إلا على أساس عقائدي، بدعوة المسلمين إلى الإتحاد فيما بينهم على أساس التعاليم والقيم الإسلامية([3]).
ومن دلائل اهتمامه بالقضية الفلسطينية، أن منظمة المقاومة الإسلامية في فلسطين (حماس) توجت دستورها بالكلمات التالية للشيخ أمجد الزهاوي: (إن العالم الإسلامي يحترق، وعلى كل منا أن يصب ولو قليلاً من الماء ليطفئ ما يستطيع أن يطفئه، دون أن ينتظر غيره).
كانت فلسطين همّه الكبير، وشغله الشاغل، أسس من أجلها الجمعيات، وحضـر المؤتمرات، وجمع المعونات، وجنّد المجاهدين، وأرسلهم إلى فلسطين، من أجل استنقاذها من براثن اليهود المحتلين، وحاضر من أجلها في العديد من الدول والمدن والجمعيات، وبيّن للمسلمين خطورة هذه القضية على المسلمين، ما لم يبادروا إلى العمل الجاد المكافئ لأعمال اليهود ومن يقف وراءهم من دول الاستكبار العالمي المعادية للإسلام والمسلمين.
كان الشيخ الزهاوي يرى أن القدس ليست للفلسطينيين وحدهم، وإن كانوا أولى الناس بها، وليست للعرب وحدهم، وإن كانوا أحق الأمة بالدفاع عنها، وإنما هي لكل مسلم، أياً كان موقعه في مشـرق الأرض أو مغربها، في شمالها أو جنوبها، حاكماً كان أو محكوماً، متعلماً أو أمياً، غنياً، أو فقيراً، رجلاً أو امرأة، كل على قدر مكنته واستطاعته.
وكان الشيخ الزهاوي يكاتب الملوك من أجل هذه القضية، ومن أجل قضايا المسلمين الأخرى، فقد كتب إلى الملك سعود، والملك محمد الخامس، والملك إدريس السنوسي، والرئيس السوداني، والرئيس الباكستاني محمد أيوب خان، والملك فيصل... وسواهم.
وكان يراسل ويلتقي رجال الإسلام، ويدعوهم إلى التعاقد على نصـرة الإسلام والمسلمين حيث كانوا، وخاصة القضية الفلسطينية، ويدعوهم إلى الجد في العمل، والإخلاص فيه، وأن يكون هدفهم الأول استرجاع فلسطين العزيزة، وأن يبذلوا في سبيلها كل غال ونفيس.
وفيما يلي نوضح بعض اهتمامات الشيخ أمجد الزهاوي بالقضية الفلسطينية:
تمثلث تلك الاستفزازات عندما قام اليهود عام 1929 بوضع ستار عند (حائط المبكى)، عند قيام المسلمين بأداء الصلاة، على الرغم من أن حائط (المبكى) هو من الأماكن المقدسة التي تعود للمسلمين، كما اعترف البريطانيون بذلك: (للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي، ولهم وحدهم الحق العيني فيه، لكونه يؤلف جزءاً لا يتجزأ من ساحة الحرم الشـريف التي هي من أملاك الوقف. وللمسلمين أيضاً تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط، لكونه موقوفاً - حسب أحكام الشـرع الإسلامي - لجهات البر والخير)([4]).
احتج الشيخ الزهاوي على ذلك الإجراء، وقد ظهر ذلك من خلال الاجتماع الذي عقده علماء الدين في بغداد، في جامع السيد سلطان علي، والذي شهد تناوب المجتمعين على إلقاء الخطب، التي نددت بتلك المظالم، فضلاً عن رفض المجتمعين للسياسة الاستعمارية البريطانية المساندة لليهود([5]).
استمرت الأحداث بالاشتعال في فلسطين حتى تفجرت ثورة 1936، وجرت مظاهرات واشتباكات في بعض المدن الفلسطينية، ثم شكلت لجان إسلامية وقومية للإضراب العام في (نابلس وحيفا ويافا وغزة)، ثم تشكلت اللجنة العربية العليا في فلسطين، في 25 نيسان عام 1936.
ونتيجة للجهود الكبيرة التي بذلها أعضاء اللجنة في فضح سياسة بريطانيا في فلسطين، قامت باعتقال بعض أعضائها في عام 1937.
وكان الشيخ الزهاوي يتابع هذه اللجنة ويبحث عن أخبارها، وكانت تربطه علاقة وثيقة مع رئيسها الحاج الأمين الحسيني، ولما علم بأن السلطات البريطانية قد اعتقلت بعض أعضائها، استنكر الشيخ الزهاوي ذلك الإجراء، وعبر عن ذلك في البرقية الاحتجاجية التي أسهم في رفعها مع أعضاء جمعية الهداية الإسلامية إلى السفارة البريطانية في بغداد، وقد جاء فيها: "نستنكر ونحتج بشدة على قيام السلطات البريطانية في فلسطين باعتقال أعضاء اللجنة العربية في فلسطين، ونعد ذلك اعتداءً سافراً.."([6]).
بعثت بريطانيا لجنة تحقيق ملكية إلى فلسطين في 11/11/1936، سميت بـ(لجنة بيل)، لدراسة الوضع فيها، وخاصة أسباب النزاع، كخطوة أولى للتهدئة، وبقيت أكثر من شهرين تستمع إلى شهادات الإنكليز واليهود، وقدمت تقريرها في (القدس)، في 7/7/1937، بعد أن استمعت إلى الطرفين الإسلامي واليهودي، وقد ترأس تلك اللجنة اللورد بيل (Lord Bill)، وقررت ضرورة التخلي عن الانتداب، وتقسيم فلسطين إلى ثلاثة أقسام:
استنكر الشيخ الزهاوي قرار لجنة التقسيم، وقد جاء ذلك الاستنكار من خلال البرقية التي رفعها الشيخ الزهاوي بتاريخ الثامن والعشـرين من تموز عام 1937، إلى جانب ممثلي المذاهب الدينية في العراق، إلى وزارة الخارجية البريطانية وسكرتارية عصبة الأمم، وقد عدت تلك البرقية قرار التقسيم بتاريخ الثاني عشـر من تموز عام 1937 بمثابة طعنة للمسلمين([7]).
وبصفته رئيساً لجمعية الهداية الإسلامية، فقد اشترك الشيخ الزهاوي في الاحتجاج الذي رفعته الجمعية إلى رئاسة الوزارة في العراق، حول قرار التقسيم.
كما طالب الشيخ الزهاوي، ومن خلال برقية علماء بغداد، الموجهة إلى عصبة الأمم، بإلغاء قرار التقسيم، إذ كان يرى في مطلبه ذلك شرطاً أساسياً لإقامة السلام في المنطقة عموماً([8]).
الناظر إلى جهود العلماء المعاصرين وتراثهم العلمي الزاخر، يجد عدداً من الفتاوى والبيانات الصادرة عنهم بخصوص الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينيَّة المسلمة، وقد أبدى علماء المسلمين من شتَّى أصقاع المعمورة، من خلال تلك الفتاوى، رؤاهم المستندة للشـريعة الإسلاميَّة، حول أحكام تتعلّق بمسؤولية المسلمين تجاه احتلال اليهود الصهاينة للأرض المقدسة، وتشـريد أهلها، وما يذيقونهم من ألوان الظلم والإذلال، النابع عن الكيد الظاهر والدفين تجاه أرض فلسطين ومقدَّساتها وأهلها، وكان من أبرزهم الشيخ أمجد الزهاوي.
كتب الشيخ الزهاوي نداءً باسم رابطة علماء المسلمين في العراق إلى الشعب العراقي، بصورة خاصة، والعالم الإسلامي، بصورة عامة، بيّن فيه ضرورة التعبئة للجهاد في سبيل الله بالنفس والمال ضد اليهود الصهاينة المعتدين، الذين دنّسوا المسجد الأقصـى، وقتلوا الأبرياء، وهتكوا الحرمات، ونهبوا الأموال.
وقد لاقت هذه الفتوى([9])، ([10]) رواجاً كبيراً في عموم العراق وديار المسلمين، وقبولاً لدى أصحاب الغيرة من أبناء الإسلام، فقد تطوّع كثير من المجاهدين، في مختلف الدول، وشاركوا في الجهاد مع إخوانهم في فلسطين ضد اليهود الغاصبين.
مواقف مشرفة للشيخ أمجد الزهاوي لنصرة القضية الفلسطينية:
وعد بلفور هو التصـريح البريطاني الرسمي (وثيقة حكومية)، أعلنت فيه الدول الاستعمارية تعاطفها مع الأماني اليهودية في إقامة وطن قومي لليهود في (فلسطين)، وذلك على شكل رسالة بعث بها اللورد (آرثر جيمس بلفور)، وزير الخارجية البريطانية إلى اللورد (روتشلد)، الميلونير اليهودي المعروف، الصادر في الثاني من تشرين الثاني عام 1917م.
عندما صدر (وعد بلفور) أثناء الحرب العالمية الأولى، كانت القوات البريطانية تحارب للاستيلاء على فلسطين من الدولة العثمانية التركية. أرادت بريطانيا أن تحكم فلسطين، لموقعها قرب قناة السويس التي تصل البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر.
اعتقد البريطانيون أن (وعد بلفور) سيساعد على كسب التأييد لهذا الهدف من زعماء اليهود في بريطانيا، والولايات المتحدة، وفي دول أخرى. وفي عام 1922م صادقت (عصبة الأمم) على (وعد بلفور)، وأعطت (بريطانيا) حق الانتداب على (فلسطين).
رفض الشيخ الزهاوي قيام بريطانيا بإعلان ذلك التصـريح، ويتضح ذلك من خلال الاحتجاج الذي رفعته جمعية (الهداية الإسلامية)، في بغداد، إلى السفير البريطاني، بمناسبة ذكرى صدور ذلك التصريح. وكان ذلك في شهر تشرين الثاني عام 1937([11]).
ومما جاء في ذلك الاحتجاج: (نحن نعلم أن لغة الاحتجاجات لم يبق لها مفهوم في نظر السياسة الغاشمة، ولا ترجع حقاً، ولا ترفع ظلماً، ولكن نريد أن يشهد العالم أن ما قامت به بريطانيا إنما هو ظلم وعدوان على حساب الحقوق المشـروعة للمسلمين في فلسطين..)([12]).
وفي 29 نوفمبر 1947م صدر القرار 189، الذي وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجبه على تقسيم فلسطين إلى دولتين: عربية ويهودية، مع وضع القدس تحت الوصاية الدولية. وقبل الصهاينة هذا القرار لأنه حقق لهم حلمهم في إقامة كيان قومي لليهود على أرض فلسطين، كما حقق لهم اعترافاً دولياً بهذا الكيان.
أمّا الفلسطينيون فقد رفضوا قرار الأمم المتحدة آنف الذكر، لأنه لم يأخذ بعين الاعتبار أن الفلسطينيين هم أصحاب البلاد الشـرعيين، ولا توجد سلطة في العالم تملك الحق في أن تقتطع جزءاً من بلادهم وتمنحه للحركة الصهيونية لتقيم فيه دولة يهودية على أرضهم.
كما وجه الشيخ الزهاوي برقية استنكار لذلك التقرير إلى المفوضيات القطرية والأجنبية في العراق، وعد الشيخ الزهاوي ذلك التقرير عدواناً صارخاً على حقوق المسلمين([13]).
وقد كان لذلك التقرير صدى واسعاً في الأوساط الفلسطينية، وخاصة محمد أمين الحسيني الذي أثنى على موقف الشيخ الزهاوي([14]).
وبعد صدور قرار التقسيم وجه الشيخ الزهاوي نداء باسم جمعية الهداية الإسلامية إلى المسلمين، قال فيه: (أيها العرب، أيها المسلمون، إن إنقاذ فلسطين وأبنائها حق وفرض على كل مسلم ومسلمة، واعلموا: أن الموت في سبيلها هو الحياة والمجد...)([15]).
بعد قرار التقسيم وانتهاء الانتداب البريطاني في (5 رجب 1367هـ/ 14 مايو 1948م)، تمكنت العصابات اليهودية في فلسطين من تسليح نفسها، وشنّ هجمات على الفلسطينيين العزل المجردين من السلاح، وارتكبت مذابح عديدة ضدهم، وهو ما أثار غضب المسلمين، وأشعل جذوة الإيمان في النفوس؛ فتداعوا إلى الجهاد وحمل السلاح دفاعاً عن إخوانهم، ونصـرة لدينهم، وبدأت بعض الأحزاب والجماعات تنظيم عملية التطوع وإقامة المعسكرات، للتدريب على السلاح.
قررت معظم الأقطار العربية إرسال جيوشها لإنقاذ فلسطين من سيطرة العصابات الصهيونية، التي دعمتها قرارات التقسيم، بعد إدراك تلك الأقطار عدم فاعلية الوسائل الدبلوماسية في استرداد الحق للمواطن الفلسطيني.
وهو ما كان الشيخ الزهاوي يسعى إلى أن تقوم به الحكومات العربية. وتحقيقاً لهذه الغاية، وبعد قرار التقسيم بأسبوع واحد، قرر الشيخ الزهاوي، وبعد تأسيس جمعية إنقاذ فلسطين:
ودعماً لذلك التوجه، فقد وجه الشيخ الزهاوي دعوة إلى علماء بغداد لعقد مؤتمر ديني في مقر الجمعية. وقد عقد المؤتمر برئاسة الشيخ الزهاوي، وتم فيه مناقشة كافة الأمور التي يجب معالجتها في سبيل تجهيز القوة العسكرية. فضلاً عن ذلك، فقد تم انتخاب لجنة مركزية يودع إليها تنفيذ ما اتفق عليه في ذلك الاجتماع، منها جمع الأموال، لا سيما عن طريق السفر إلى مناطق العراق المختلفة، ومنها كركوك وأربيل والسليمانية، التي سافر إليها الشيخ الزهاوي، وبصحبة أعضاء اللجنة المركزية: الشيخ عبد القادر الخطيب، والشيخ محمد القزلجي، والشيخ محمد فؤاد الآلوسي، لغرض الحصول على المال والسلاح([17]).
ولذلك شكل الشيخ الزهاوي في تلك الفترة لجنة من علماء الدين في بغداد لجمع التبرعات المادية والعينية، وقد تمكنوا من جمع مبالغ كبيرة من الأموال، فضلاً عن كميات من الملابس والصوف، تم توزيعها على تلك العوائل، من خلال إرسالها إلى مديرية اللاجئين في وزارة الدفاع العراقية([18]).
وكان للشيخ الزهاوي، مع إخوانه العلماء، في تلك الفترة، دور مهم وأساسي في:
تأسست جامعة الدول العربية في آذار عام 1945، واستقبلها الشيخ الزهاوي بحذر شديد، إذ أدرك منذ البداية عدم توفر النية الخالصة لدى المؤسسين لها، وعندما علم الشيخ الزهاوي أهداف الجامعة العربية عزم على مقابلة رئيسها آنذاك عبد الرحمن عزام، ومناقشة المسؤولين فيها، ومحاولة إقناعهم بالعدول عن هذه الفكرة وجعلها جامعة إسلامية، كي تتحول القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا إلى قضايا عامة وشاملة([19]).
وكان الشيخ الزهاوي يقول: "أرى أن أول ما يجب عمله، نظراً للحالة الراهنة، السعي في إنشاء حلف إسلامي، بدلاً من الرابطة العربية، التي تذكرنا بعهود الغساسنة والمناذرة، حين كانوا يسامون الخسف والهوادة تحت سيادة المستعمرين.."([20]).
وسافر لهذه الغاية مع الشيخ فؤاد الآلوسي إلى مصـر، وناقش رئيسها عبد الرحمن عزام، وحاول كثيراً إقناعه بتغيير اسم (الجامعة العربية) إلى (الجامعة الإسلامية)، إلا أن عزام لم يوافق الشيخ الزهاوي على رأيه، بذريعة التواجد النصـراني في بعض الدول؛ مثل لبنان والعراق والجزائر.
فأجابه الشيخ الزهاوي: كان في الجزيرة العربية عرب، يهود ونصارى، والإسلام بنى عقيدته على أساس متين، ومبادئ جديدة لا صلة للقومية بها، بناها على أساس القرآن الكريم والسنة النبوية.
وبعد جدال وأخذ ورد، لم يستطع عزام أن يناقش بالأمور الشـرعية أمام عالم كبير مثل الشيخ الزهاوي، فختم عزام كلامه بقوله: (إننا مقيدون بنظام الجامعة العربية، ولا يمكن الخروج عليه).. فخرج الشيخ أمجد غضبان أسفاً، متألماً لما يُبَّيت لهذه الأمة من دمار.
ولكن الشيخ الزهاوي لم ييأس، فسلك طريقاً آخر لحل القضية الفلسطينية، وهو طرق أبواب المنظمات الإسلامية ليبين المخاطر المحدقة بالأمة، ودعوتها إلى تحقيق الوحدة الإسلامية([21]).
جهود الشيخ الزهاوي في تأسيس جمعية إنقاذ فلسطين:
إن أول حدث هام أثار حمية الشيخ أمجد الزهاوي هو القضية الفلسطينية، إذ إنه نظر إلى واقع العالم الإسلامي، فرآه منفرط العقد، ليس لديه قيادة موحّدة، ولا رابطة تربط بين بلدانه، وأنه ليس سوى أقاليم يسيطر عليها الغرب الحاقد، ودويلات شبه مستقلة، والواقع أنها تحت نفوذ الغرب وتوجيهه، فأراد - رحمه الله - أن يجعل من القضية الفلسطينية:
لما صدر قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، عام 1947، إلى دولتين: عربية؛ منزوعة السلاح والحقوق، ودولة يهودية لها كل الامتيازات ومقومات الحياة، عمت بلاد المسلمين المظاهرات والرفض العارم.
وكان في مقدمة تلك الدول العراق، حيث بادر علماء العراق - وعلى رأسهم سماحة الشيخ أمجد الزهاوي، ومجموعة من الدعاة - إلى نصـرة قضية فلسطين، وتأسيس جمعيات لهذا الغرض، وتحركوا في طول البلاد وعرضها، مستنهضين همم المسلمين لنجدة إخوانهم المجاهدين في فلسطين، وحددوا عملها في نصـرة الدولة المسلمة المحتلة، وتحمل واجب الدفاع عنها، ودعوة الآخرين إلى مناصرتها في كل الميادين.
وكان لشباب الدعاة في العراق دورهم الرائد وجهودهم الخيّرة، حيث انتشـروا في المدن والقرى والأرياف والبادية، يذكِّرون الناس بواجبهم الإسلامي في الجهاد، ودعم المجاهدين والوقوف إلى جانب المضطهدين من المسلمين بفلسطين.
فالتف حول الشيخ الزهاوي مجموعة من المخلصين لعقيدتهم وأمتهم، من أنشطهم: محمد محمود الصواف، وعبد الرحمن خضـر؛ المحامي البارز، الذي كان من أنشط أنصار القضية الفلسطينية، ودعا إلى اجتماع في داره، برئاسة الشيخ الزهاوي، وحضره مجموعة من المتحمسين لهذه القضية. وتداولوا فيه ما يجب عمله من أجل هذه القضية (قضية فلسطين)، وقرروا إنشاء جمعية باسم: (جمعية إنقاذ فلسطين)، هدفها:
وقدّموا طلباً باسم الشيخ الزهاوي إلى وزارة الداخلية لتأسيسها.
وبعد صدور موافقتها، تم تأسيس الجمعية بصورة رسمية في كانون الأول عام 1948، وعملاً بما ينص عليه نظام الجمعية، فقد جرى عقد اجتماع لانتخاب الهيئة الإدارية للجمعية، في السادس من كانون الثاني عام 1948، وقد أسفر ذلك الانتخاب عن فوز الأعضاء:
وكان عدد أعضائها خمسة عشـر عضواً من العسكريين والمدنيين، وبعض الشخصيات التي كان لها وزنها السياسي والاجتماعي آنذاك، كانوا من المؤسسين الأوائل للجمعية([23]).
وشكلت الجمعية ست لجان لمواصلة عملها، هي اللجنة العسكرية، واللجنة الحقوقية والمالية، ولجنة المبيعات، ولجنة في كل من مدينتي البصـرة والموصل لمتابعة نشاط الجمعية في بغداد([24]).
وقامت الجمعية بتعديل نظامها الأساسي، إذ أكسبها بموجبه حق تأسيس لجان للدفاع عن القضايا العربية([25]). وأقدمت الجمعية على تأسيس مكتب لها في (جكارتا)، عاصمة أندونيسيا، ليتولى مهام عملها هناك([26]).
من ثمار تشكيل جمعية إنقاذ فلسطين: تشكيل جيش الإنقاذ:
قامت جمعية إنقاذ فلسطين بأنشطة مشهودة لدعم القضية الفلسطينية، خاصة مجهوداتها الحربية أبان الحرب العربية - الإسرائيلية الأولى (1948)، فكانت باكورة أعمالها تكوينها لجيش إنقاذ من المتطوعين. ونتيجة للزخم الحاصل من قبل الجماهير العراقية، وتوالي المطالبات بالتطوع للقتال في أرض فلسطين، قررت الجمعية إرسال المقاتلين، إذ أذاعت في يوم 3 تشـرين الثاني عام 1947 بياناً من الإذاعة، والصحف المحلية، تعلن فيه للجمهور عن فتح مكاتب لتسجيل المتطوعين في جوامع منطقة:([27]) الحيدر خانة، والفضل، وحنان، والسيد سلطان علي، والإمام الأعظم، والكرادة الشرقية، والكاظمية، وباب الشيخ، وفي أماكن أخرى من مدن العراق الشمالية والجنوبية.
ونشـرت الأخبار في الصحف والإذاعات العراقية، فلاقت ترحيباً منقطع النظير، وبدأ الناس بالتوافد على مراكز التطوع في الجمعية، لما يحملونه من عبء المسؤولية تجاه أولى القبلتين وثالث الحرمين.
وشكل الشيخ الزهاوي لجنتين لدراسة هذا الأمر:
وفتح باب التطوع، فتهافت الرجال للقيام بواجبهم، وفي مدة وجيزة تطوع أكثر من (15) ألف متطوع، معظمهم ممن تدرب في الجندية، أو في أجهزة الشـرطة، ولو ترك الباب مفتوحاً لسّجل عشرات الآلاف([28]).
وتشكلت من هؤلاء المتطوعين ثلاثة أفواج، سميت بأسماء (اليرموك، والقادسية، والحسين)، وكان كل واحد منها يتكون من 360 مقاتلاً من متطوعي العراق، إلى جانب سرية كوماندوس (مغاوير). كما أقيم للمتطوعين معسكر تدريب بالقرب من بغداد([29]).
وتم تجهيزهم بشكلٍ جيد، في أقل من شهر. وبدأت الجمعية بإرسال الفوج الأول عبر طريق الفلوجة ومروراً بالرمادي، وقد استقبل هذا الفوج بكرم وترحيب لا مثيل له. وبعد أسبوع من هذا الحدث، تم تجهيز الفوج الثاني بالطريقة نفسها، وقد حظي بتكريم مماثل من أهل الأنبار.
وفي السابع من يناير 1948، وصلت أول سرية مغاوير إلى دمشق. وبعد أسبوع وصل فوجان آخران، مع السلاح والعتاد. وبينما كانت الجمعية تستعد لإرسال فوج جديد، تلقت إنذاراً من اللجنة العسكرية بأن تكف عن إرسال المتطوعين حتى إشعار آخر!
وقد كان لقضية فلسطين والقدس السهم الأكبر في كفاح الشيخ الزهاوي وإخوانه، في (جمعية إنقاذ فلسطين)، التي ضمت نخبة المجاهدين والعاملين لقضية الإسلام الأولى في هذا العصر.
وإزاء ذلك التفاعل الإيجابي من قبل الشعب العراقي تجاه قضيته الأولى (فلسطين)، بقيت مشكلة (السلاح) قائمة، ولما قامت إدارة الجمعية بمفاتحة الحكومة العراقية، رفضت الأخيرة تجهيزهم، بذريعة أنها سترسل فصيلاً من الجيش ليقوم بمهامه القتالية. ليتقرر - بعدها - تشكيل لجنة خاصة، برئاسة إبراهيم عطار باشي، وهو من وجهاء الموصل، لأداء هذه المهمة، فاتصل برؤساء العشائر الكوردية، وعرض عليهم شراء السلاح لهذه المهمة العظيمة، وقد نجحت اللجنة في توفير السلاح في فترة وجيزة آنذاك.
ولا بد من الإشارة إلى أن العشائر الكوردية في محافظة نينوى وكوردستان العراق، قد أدّت دوراً كبيراً في تجهيز تلك الأفواج بالمال والسلاح؛ من ذلك على سبيل المثال:
وبعد ذلك أرسلت تلك الأفواج إلى الشام، واستقرّت في (معسكر قطنة)، في دمشق([30]).
كما قرّر الشيخ الزهاوي إرسال الصواف، ومعه العقيد طاهر محمد عارف، إلى ذلك المعسكر، للاطلاع عن كثب على حالة المتطوعين، وتزويدهم بالإمدادات، وعلى طول الجبهة الفلسطينية([31]). ويشير الصواف إلى أن (الخيانات المكشوفة) التي حصلت من قبل الحكومات العربية آنذاك، وعدم السماح للمجاهدين العراقيين وغيرهم بالقتال، مكن العصابات الصهيونية من تحقيق التفوّق في تلك الحرب([32])، التي كان من أبرز تداعياتها: لجوء العديد من العوائل الفلسطينية إلى المخيمات، لتعاني من أحوال اجتماعية صعبة.
جمع التبرعات:
ونتيجة للأعداد الكثيرة من المتطوعين، بدأت إدارة الجمعية بعقد اجتماعاتها المتكرّرة للنظر في مسألة توفير المال الكافي لتجهيز أفواج المجاهدين، ولم يكن في صندوق الجمعية سوى دنانير قليلة لا تسمن ولا تغني من جوع، بينما امتنعت الحكومة العراقية عن المساعدة بأي شكل من الأشكال.
بادرت بعض النوادي والسينمات بتقديم طلبات للجمعية من أجل إقامة حفلات يكون ريعها لتجهيز الأفواج التي تنوي الجمعية إرسالها إلى فلسطين، لكن تقرّر رفض هذا النوع من المساعدة، وذلك لتلافي إعطاء الأموال المشوبة بالمنكر في مشـروع جهادي. واقترح الشيخ الزهاوي أن تكون الأموال التي تجمع تنطلق من بيوت الله - عز وجل -، وبدأ الشيخ الصواف بالطواف على المساجد الكبرى في بغداد، واستطاع أن يجهز الأفواج من تلك التبرعات.
قامت جمعية إنقاذ فلسطين بجهود كبيرة لجمع التبرعات للقضية الفلسطينية، وبجهد كبير من رئيسها الشيخ الزهاوي، وتدارسوا كيفية الحصول على المال، وما يلزم لتجهيز المتطوعين.
يقول الشيخ محمد محمود الصواف: "رحم الله أستاذنا وشيخنا العلامة الأكبر الشيخ أمجد الزهاوي، وأسكنه الجنة، فعندما تذاكرنا في كيفية الحصول على الأموال لتجهيز المتطوعين، قال لنا ببساطته المعهودة، وإيمانه الراسخ، وبراءته العذبة: (إخواني لا تهتموا بالمال، فإن الناس متى علموا صدق أعمالنا ونياتنا، فسوف يحملون المال على أطباق فوق رؤوسهم، ويأتون به إلينا). وصدق - رحمه الله -، وصدقه الله، فقد كنت أتلقى التلفونات من متبرعين ومتبرعات لا يودون ذكر أسمائهم، فآخذها، وأسلمها لأمين الصندوق، وأدعو لأهلها بكل خير، وأقول: إن هذه الأمة لن تموت أبداً بإذن الله، ما دام فيها إيمان وإسلام. وقد رأينا من كرم الناس وتضحياتهم ما يجعلني أسجلها اليوم بالشكر والإعجاب والثناء والدعاء لأصحابها، أثابهم الله، وجزاهم خير الجزاء"([33]).
وهكذا بدأ الشيخ الزهاوي، وإخوانه، في تجهيز المتطوعين بجميع مستلزماتهم، وكانت لقاءاتهم مستمرة معهم ليلاً ونهاراً، وفورة الحماس والإخلاص تغمر الجميع، وكلهم كانوا يطلبون الإسراع بالتوجه إلى ساحة الشـرف، ليكون لهم الشرف في حماية أرض الإسلام من أرجاس اليهود، ومن والاهم من أعداء الله والمسلمين.
حيث كلف الصواف بالقيام بحملة توعية من على منابر مساجد بغداد، في خطب الجمعة، لحث الأهالي على تقديم التبرعات العينية والنقدية لإنفاقها على المتطوعين.
وقد لاقت دعوته صدى كبيراً بين الأهالي، وكانت جمعية المعلمين (المركز العام) أول المتبرعين إلى الجمعية، إذ قدمت لها مبلغاً قدره عشرة آلاف دينار.
يقول كاظم المشايخي: "وهذا ما حدث فعلاً، فعندما فتح باب التبرع، كان أول ما قام به الشيخ الصواف أن فرد جبّته في مسجد الأعظمية، فانهالت التبرعات، وكرر هذا في مساجد بغداد الأخرى، وقد غُطّيت نفقات الفوج الأول من أموال التبرعات التي جمعت في المساجد"([34]).
ومن الصور الرائعة لتلك التبرعات: خلع النساء للحلي والمجوهرات، ووضعها في صندوق التبرعات، وألسنتهن تلهج بالدعاء، حتى أن أحد تجار بغداد أتى بعربة كبيرة، وملأها بالطحين والسكر والزيت وسائر مواد التموين، ودفعها للقائمين على جمع التبرعات. كما انتدب بعض الأهالي في منطقة الأعظمية أنفسهم لجمع المبالغ البسيطة عن طريق أقاربهم ومعارفهم، مما أوجد حالة من المشاركة الإيجابية لدى الجميع بضرورة أن يكون له شرف المساهمة في هذه المعركة المصيرية.
في حين سجّل الوجيه الموصلي مصطفى الصابونجي تبرعاً كبيراً إلى الجمعية، بلغ مقداره ألف دينار([35]).
جهاد أهالي كوردستان بالنفس والمال لنصرة القضية الفلسطينية:
المال أقل ما يقدمه المسلم لإخوانه في مثل هذه الظروف الحرجة، وقد قدم الله الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس في مواضع من كتابه، كما في قوله: [تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ]([36])، ولا شك أن المال عصب الصمود ومحركه، فبه يسد الفلسطينيون جوع أطفالهم، ويكسونهم، ويداوونهم، ويتدبرون به أمر الحصول على السلاح اللازم، لدفع العدو الصائل، وبه يدعمون مؤسساتهم التربوية والصحية والاجتماعية، لتقوم بجزء من دورها في دعم المرابطين. والمهم هنا تحري الدقة ببذل المال إلى الجهات الموثوقة، التي تضمن إيصاله إلى مستحقيه الصامدين في أرضهم، وبأسرع وقت ممكن.
وكان لأهالي مدينة (زاخو) النصيب الأوفر في دعم إخوانهم المجاهدين في (فلسطين) بالمال والسلاح:
قال لي الشيخ الملا حسين المارونسـي: "في سنة 1949 ذهبت أنا والشيخ روم الجرجري، والملا حسين القسـريجي، إلى بغداد، لزيارة الشيخ أمجد أفندي الزهاوي، وبقينا عنده يومين. وقبل أن نودعه قال لي: يا ملا حسين، أريد منك أن تذهب مع الشيخ محمد محمود الصواف إلى زاخو لجمع التبرعات النقدية والعينية والسلاح للمجاهدين الفلسطينيين. قلت: إن شاء الله يا شيخ، فمثلك لا يرد له طلب. قال: جزاك الله خيراً، فهذا نوع من الجهاد.
وعند رجوعنا إلى الموصل ذهبت إلى (سنجار)، وفي اليوم التالي جاء الشيخ الصواف، وبات عندي، وفي الصباح توجهنا إلى (زاخو)، وكان معنا الحاج طه السنجاري، ورجل آخر لا أذكر أسمه، وعند وصولنا إلى مدينة زاخو، جمعنا الناس في جامع زاخو القديم، وكان إمامها الملا أحمد عبد الخالق العقري - رحمه الله -، وتكلمت معهم باللغة الكوردية عن هدف زيارتنا، ثم عن اضطهاد إخواننا الفلسطينيين، واعتداء اليهود عليهم، وهم بحاجتنا إلى المال والسلاح. ثم أعقب كلامي الشيخ الصواف بكلمة حماسية عن الأخوة الإسلامية، ثم عن الجهاد بالمال والسلاح.
وبعدها تبرع أهالي زاخو بما تيسـر لهم (المبالغ النقدية، والمواد الغذائية، والسلاح)، حتى أصبحت كميات كبيرة، وكان الشيخ الصواف مستغرباً من كثرة التبرعات، ثم شكلت لجنة، وأخذت تلك الأموال إلى مكتب المجاهدين في الشام... وبقينا في زاخو في ضيافة الشيخ الملا أحمد عبد الخالق العقري مفتي زاخو..."([37]).
زيارات الشيخ أمجد الزهاوي إلى كوردستان العراق:
ولهذا الغرض كان للإمام الزهاوي جولات إلى كوردستان العراق، مع بعض أعضاء جمعية إنقاذ فلسطين، وكانت تلك الزيارات كالآتي:
وقد ألقى الشيخ الزهاوي كلمة عن دور المسلم في ظل هذه الظروف، وما يجب عليه من واجبات تجاه إخوانه في فلسطين والجزائر. تلاها كلمة للشيخ محمد محمود الصواف عن الجهاد، ومساعدة المجاهدين مادياً ومعنوياً. ثم قام أحد أبناء السليمانية بإلقاء قصيدة حماسية بالمناسبة؛ مطلعها:
أيَّها الإسلام فابكِ وتدمّع بالدِّماء ... وليصلْ منك الأنينُ فوقَ أرضٍ وسماء
إنّ مُلْكـاً بِيعت الأرواح في تشييده ... بيـعَ رخصـاً للأعـادي الأشقـيـاء
وفرح الشيخ الزهاوي بهذا الشعر، وبارك صاحبه، وكانوا يبيتون عند الحاج أسعد المحوي، وملا مصطفى صفوت([38]).
أكد الشيخ الزهاوي في كلمته: إن كان قدر هذه الأمة، في هذه المرحلة العظيمة، أن تُمنع من الجهاد في سبيل الله، وأن يتولى أمر الجهاد والدفاع مجموعة من المؤمنين الصادقين، فليس أقل من أن نساندهم، ونقوي شوكتهم بأموالنا... ولن يمسك مؤمن ماله في هذه الأيام عن أهلنا في فلسطين، إلا سيلقى الله بلا عذر عن نصـرتهم.. [وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ]([40])، (ومن جهز غازياً فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا)([41]).
أعقبه اجتماع في جامع الملا صالح، حضـره الشيخ محي الدين البرزنجي، والشيخ مصطفى النقشبندي، وجمع غفير من أهالي أربيل. وقد ألقى الشيخ الزهاوي كلمة في الاجتماع، دعا فيها إلى اتباع نصوص القرآن والشـرائع الإسلامية، ومساندة اللاجئين الفلسطينيين مادياً ومعنوياً([42]).
دور الشيخ الزهاوي في المؤتمرات لنصرة القضية الفلسطينية:
تعود بدايات فكرة عقد المؤتمرات الإسلامية إلى عام 1925، عندما دعا بعض ملوك ورؤساء الدول الإسلامية إلى عقد مؤتمر إسلامي، لجمع المسلمين، والتوفيق بين الآراء المختلفة حول الإصلاح في المجتمعات الإسلامية. ثم إن تلك الفكرة أخذت تتطور بين قادة الفكر الديني، الذين أدركوا حاجة المسلمين إلى القوة السياسية والاقتصادية لمواجهة اليهود. وفي عام 1931، دعا محمد أمين الحسيني إلى عقد مؤتمر إسلامي خاص بالقضية الفلسطينية.
المؤتمر الإسلامي العام الذي انعقد في القدس عام 1931م
وبلا شك أن عقد مؤتمر في القدس هو بمثابة إعلان عن تضامن المسلمين في مختلف أصقاع العالم الإسلامي مع المسلمين في فلسطين، الذين اجتمعوا في السابع من كانون الأول عام 1931 في ذلك المؤتمر، بمشاركة وفود إسلامية، أبرزها الوفد العراقي، والذي كان له دور فاعل في صياغة قرارات ذلك المؤتمر، التي دعت إلى تأييد وحدة المسلمين من خلال المحافظة على الأماكن المقدسة في فلسطين، وعبر إعلان المقاطعة الشاملة لليهود([43]).
مؤتمر القدس الإسلامي عام 1953
أمّا مؤتمر القدس الإسلامي عام 1953، فكانت بدايته دعوة مُوجّهة من قبل (جبهة الكفاح لتحرير الشعوب الإسلامية)، إذ رغب أمين عام تلك الجبهة (عبداللطيف دراز) إرسال دعوة من القاهرة إلى الشيخ الزهاوي، تطلع فيها إلى مشاركته في ذلك المؤتمر، والذي تزامن مع احتفال المسلمين في فلسطين بمناسبة الإسراء والمعراج. وهو مؤتمر شعبي إسلامي مبرأ من وصمات السياسة التي فرّطت في حقوق المسلمين، وأكسبتهم عاراً لا تمحوه سوى الدماء.
وقد لبى الشيخ الزهاوي تلك الدعوة بالفعل، وشكل وفداً، ضم كلاً من:
وغادر إلى القدس، وشاءت الصدف أن يتغيب أصحاب الدعوة إلى المؤتمر، الأمر الذي دعا الشيخ الزهاوي، وبالتعاون مع الصواف، إلى تبني فكرة المؤتمر، والقيام بالمهمة، فصارا أصحابها، وجمعا العلماء والخطباء وشباب الدعوة الإسلامية، وعقد الجميع اجتماعات متواصلة، وتشاوروا وتذاكروا في قضية فلسطين، وقضايا المسلمين([44]).
تأسيس مكتب الإسراء والمعراج:
بعد وصول الشيخ الزهاوي، والوفد المرافق له، من العراق إلى القدس الشـريف، واصلوا اتصالاتهم واجتماعاتهم برجال العلم والدين والسياسة والدعاة المخلصين، وأسفرت تلك الاجتماعات عن تأسيس وانبثاق مكتب دائم في (القدس)، سمي (مكتب الإسراء والمعراج)، والذي كان نقطة التقاء وارتكاز وانطلاق لأعضائه؛ وهم:
الدعوة إلى مؤتمر عام جديد في القدس:
وبعد عودة الوفد إلى بغداد، اجتمع الشيخ الزهاوي، وبقية أعضاء الوفد، مع رئيس الحكومة، ومن خلال ذلك الاجتماع قرروا دعوة المسلمين إلى المشاركة في المؤتمر العام الجديد في القدس، الذي يهدف إلى إخراج قضية فلسطين من نطاقها العربي الضيق إلى النطاق الإسلامي الفسيح، فضلاً عن بحث الأوضاع المأساوية للسكان الفلسطينيين فيها.
ولذلك شكل الشيخ الزهاوي ممثلين عن جمعيتي الأخوة الإسلامية وإنقاذ فلسطين، لغرض الذهاب إلى الأقطار العربية للدعوة إلى المؤتمر، وقد بدأت تلك الجولات بالسفر إلى القاهرة، وغيرها من المدن العربية، لضمان كسب أصوات قوية لدعم قضية فلسطين، وقد صمّموا أن يتجهوا - بعد الله تعالى - إلى الشعوب الإسلامية، وأعلنوا يأسهم من الحكام، ومن تصـرفاتهم الخائبة، التي نكّست رؤوس العرب، وفضحتهم في العالمين، واعتبروا القضية الفلسطينية هي قضية الإسلام الكبرى في هذا العصـر، ومن الممكن أن تكون المنطلق الصحيح لخدمة قضية القضايا في مشكلات المسلمين؛ وهي قضية الإسلام نفسه([46]).
الشيخ الزهاوي يدعو قادة العالم الإسلامي لحضور المؤتمر:
حدد الشيخ الزهاوي، وأعضاء جمعية إنقاذ فلسطين، يوم السابع والعشـرون من شهر ربيع الأول 1373هـ، الموافق 3/12/1953م، لانعقاد المؤتمر، على أن ينتهي في اليوم الثالث من شهر ربيع الأول 1373ه. وقرر الشيخ الزهاوي توجيه الدعوة إلى قادة العالم الإسلامي لحضور هذا المؤتمر. وفيما يأتي صورة بطاقة الدعوة للمؤتمر:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن مكتب الإسراء والمعراج الدائم في القدس، وجمعية إنقاذ فلسطين في العراق، وجدا أداءً للأمانة، وإيفاءً بالعهد، وإبراءً للذمة، أن يبلغا المسلمين كافة؛ في مشارق الأرض ومغاربها، أنّ: بيت المقدس؛ مهبط الأنبياء والمرسلين، القبلة الأولى للمسلمين، مهوى الأفئدة؛ حيث المسجد الأقصـى المبارك، الذي ورد في قوله تعالى: [سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ]([47])، لهو اليوم في خطر عظيم.
وإن اليهود - أعداء الإسلام - بعد أن تمكّنوا من الاستيلاء على ديار المسلمين في فلسطين، وأخرجوا أهلها، الذين يربو عددهم على 90000 نسمة، تاركين مساكنهم وأموالهم، هائمين في الأرض يبحثون عن نصير من المسلمين، قاموا بتخريب ما وصل لأيديهم من مساجد المسلمين ومعابدهم، وتعمدوا تدنيس المساجد باتخاذ بعضها دوراً للبغاء. ورغم الهدنة فإن اعتداءاتِهم المسلحة على المسلمين متكررة ومتوالية دون رادع.
وفوق ذلك، فإنهم يتطلعون الآن إلى بيت المقدس، حيث المسجد الأقصـى والصخرة المشـرفة، للاستيلاء عليه، وإعلان قيام دولة إسرائيل مملكة حقيقية فيه، وتشييد هيكل سليمان على أنقاض المسجد المبارك.
إن تخاذل المسلمين في هذا الأمر، وتقاعسهم عن أداء واجبهم في الدفاع عن مقدساتهم؛ معناه:
وواجبنا أن نبلغ المسلمين جميعاً في مشارق الأرض ومغاربها: أن الحكومات المجاورة لفلسطين قد عجزت عن الدفاع عنها، فانتقل واجب الدفاع شرعاً عن بيت المقدس والمسجد الأقصـى المبارك وفلسطين، إلى جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وأصبح ذلك فرض عين على كل مسلم.
وها نحن نبلغكم خطورة الحال، ونستصـرخ المسلمين جميعاً لإنقاذ المسجد الأقصى المبارك من الخطر.
وبمناسبة شهر المولد النبوي الشريف([48])، تقرّر عقد مؤتمر عالمي في القدس الشريف، يجتمع فيه أولو الرأي من المسلمين، للمداولة والتفكير فيما يجب عمله للمحافظة على بيت المقدس، وحماية فلسطين من اعتداءات اليهود، ولإلفات نظر العالم إلى اهتمام المسلمين جميعاً بالمسجد الأقصى المبارك، وفي الاجتماع فوائد لا تنكر.
وسيكون موعد انعقاده في اليوم السابع والعشرين من شهر ربيع الأول 1373 هـ، الموافق 3- 12- 1953م، وسينتهي في اليوم الثالث من ربيع الآخر 1373هـ.
وها نحن نقدم طياً منهاج المؤتمر، وبطاقة الدعوة، راجين الاشتراك معنا في هذا الأمر الخطير، والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل([49]).
الـتوقيـع:
أمجد الزهاوي رئيس جمعية إنقاذ فلسطين
محمد محمود الصواف، مسؤول مكتب الإسراء والمعراج
الشيخ الزهاوي يتخطّى العقبة الأولى:([50])
يقول الشيخ محمد محمود الصواف: "كانت العقبة الأولى عندنا هي وجود المال للإنفاق على هذا المؤتمر المزمع عقده، ونحن إذ دعونا الناس يجب أن ننفق عليهم، ونضيفهم مدة إقامتهم في القدس، على أقل تقدير. ورأى شيخنا الشيخ أمجد الزهاوي - رحمه الله - أن يتقدم إلى الحكومة العراقية بطلب معونة مالية باسم جمعية إنقاذ فلسطين، أو باسم إقامة المؤتمر، وهو لقضية فلسطين.
وقدم الشيخ أمجد الطلب باسمه الخاص، إلى رئيس الوزراء محمد فاضل الجمالي، في (17 أيلول 1953- 27 شباط 1954)، والشيخ الزهاوي يعرفه الشعب العراقي، وتعرفه الحكومة، بأنه رجل الدين الأمثل، ويعرفون نزاهته وعفته وأمانته وصلابته في الحق، فاستجاب الرجل في الحال، وقررت الحكومة منحه ألفي دينار عراقي، لصـرفها على قضية فلسطين..
واستطعنا أن ننفق على المؤتمر، وحاجاته الضـرورية، والذي حدد موعد عقده في الثالث من كانون الأول عام 1953"([51]).
وكان الشيخ الزهاوي يتباحث في جلسات خاصة مع القيادات المسلمة التي كانت تحضـر المؤتمر في أمور كثيرة، وخاصة القضية الفلسطينية، وكان معجباً بشخصية الأستاذ الشهيد سيد قطب - رحمه الله -، وما يملك من غيرة وإخلاص على هذا الدين. وفي إحدى الجلسات ظل الأستاذ سيد قطب ساعة كاملة يبين للشيخ الزهاوي مؤامرات الغرب على الإسلام، وما رآه في أمريكا، وغيرها([52]).
القرارات والتوصيات التي جاء بها المؤتمر:
وقد باشر المكتب الدائم للمؤتمر الإسلامي العام لبيت المقدس العمل على تنفيذ توصيات الاجتماع الأول للمؤتمر، التي اشتملت على مشروعات محددة، من أهمها:
وخرج المؤتمر بعدة قرارات، منها:
أمّا التوصيات التي جاء بها المؤتمر، فكانت:
جهود الشيخ الزهاوي في تنفيذ مقررات المؤتمر:
وبعد انتهاء المؤتمر، عاد الوفد العراقي برئاسة الشيخ الزهاوي، الذي اجتمع بالجمالي رئيس الوزراء، عارضاً له المقررات والتوصيات التي اتخذها المؤتمر. وبغية تنفيذ تلك المقررات، والتي كان من أبرزها جمع التبرعات لسكان القرى الأمامية في فلسطين، قام الشيخ الزهاوي، ومعه الصواف والطنطاوي، بزيارة للبصرة([54]).
وبعدها زاروا الموصل، في شباط 1954، وعقدوا اجتماعاً في الجامع الكبير، ألقيت فيه خطب دعت إلى ضرورة مساعدة أهالي فلسطين. ثم أقام فرع جمعية الأخوة الإسلامية في الموصل، احتفالاً تكريماً للزهاوي، وأعضاء الوفد، ألقى الصواف كلمة في ذلك الاحتفال، بيّن فيها الأوضاع المأساوية للسكان الفلسطينيين في خطوط المواجهة، ثم كلمة حماسية للشيخ الداعية عبد الله الأربلي. ثم أقام الوفد اجتماعاً في المكتبة العامة، تبادلت فيه الكلمات والخطب، وكذلك بدأت فيه حملة التبرعات. وقد حضـر ذلك الاجتماع جمع كبير من المواطنين، وكانت مجموع المبالغ التي جمعت في ذلك الاجتماع (1030) دينار([55]).
عاد الوفد بعدها إلى بغداد، وأقام حفلة دينية في (جمعية إنقاذ فلسطين)، كرست لجمع الأموال للقرى الأمامية في فلسطين. وقد دعا الشيخ الزهاوي الجمالي؛ رئيس الوزراء، لحضورها؛ فاستجاب لدعوة الشيخ الزهاوي، الذي تكلّم في ذلك الحفل بكلمة موجزة، طلب فيها المساهمة بتقوية الخطوط الأمامية([56]).
الجهود المتواصلة للشيخ الزهاوي في نصرة القضية الفلسطينية:
سافر الشيخ الزهاوي: ومعه الصواف والطنطاوي وأمين المصـري والورتلاني والبشير الإبراهيمي، إلى باكستان، بهدف خلق رأي عام فيها ضد الحركة الصهيونية، وإطلاع الرأي العام في باكستان على حقيقة الأوضاع في فلسطين. وقد استقبلهم محمد علي جناح؛ رئيس الوزراء، وتمخضت تلك الزيارة عن قيام الباكستانيين بتخصيص يوم لفلسطين في (كراتشي).
ثم رجع الوفد، ولم يبقَ إلاّ الشيخ الزهاوي والطنطاوي، ودامت هذه السفرة نحو سبعة أشهر.
نتائج وثمار هذه السفرة:
استطاع الإمام الزهاوي، ومعه الشيخ الطنطاوي - رحمهما الله - أن يطوفا العالم الإسلامي، ويعرّفا الناس بفلسطين، ويدعوان الناس لإمدادها بالمال. واقترح الشيخ الزهاوي أن لا يأخذ شيء من المال، بل في كل بلد يؤلف لجنة، لتجمع هي المال، وتبعثه مع أمناء منها إلى فلسطين. يقول الأستاذ علي الطنطاوي:
"إن الذي صنعناه لفلسطين لم يصنعه أحد، فقد جعلنا حديثها - بعون الله -، ثم بفضل الشيخ أمجد، والأستاذ الصواف، حديث الناس والحكومة والإذاعة والصحف في كل بلد دخلناه. لقد ألقيت ثلاثاً وأربعين محاضرة وخطبة عن فلسطين، وعقدت ثمانية وعشـرين مؤتمراً صحفياً، وشغلت بها ست ساعات، وأكثر من أربعمائة جريدة ومجلة.."([57]).
لقد جاب الشيخ الزهاوي، من أجل فلسطين، مشارق الدنيا، وعبر البحار والجبال والسهوب، ووصل إلى أقاصي أندونيسيا، وجال في أرجاء القارة الهندية، واتصل بالملايين من الناس.. لم يكن يكلمهم بلسانه، فهو لا يفهم لسانهم، ولا كانوا يفهمون لسانه.. كان يكلمهم بقلبه المخلص، وروحه الطاهرة، وإيمانه الصادق العميق، ولذلك نجح في جولته وسفره؛ بإخلاصه وصدقه.
ومن أبرز نتائج وثمار هذه السفرة المباركة، ما يأتي:
وكان لجهود سفير العراق لدى باكستان: عبد القادر الكيلاني، أثر طيب في إنجاح مهمة اللجنة([58]).
قرية (قبية)، في الضفة الغربيّة - التي كانت حينها تحت السيادة الأردنية -، كان عدد سكانها حوالي 6000 نسمة، وأكثرهم من المهاجرين من مدن وقرى فلسطين 1948. شن الصهاينة في اليوم الرابع عشـر من شهر أكتوبر عام 1953 م، وعزلتها عن سائر القرى المجاورة، ثم بدأت بقصف القرية بشكل مركز بمدافع الهاون، واستخدمت الألغام والقنابل، كما توجهت بعض القوات المعادية، وطوقت قرى (شقبا، وبدرس، ونعلين)، لمنع تحرك النجدات للقرية، وقامت هذه القوات بزرع الألغام على جميع الطرق المؤدية إليها. استمر الهجوم الصهيوني حتى الساعة الرابعة من صباح اليوم التالي، وأجبر السكان على البقاء داخل بيوتهم، ثم نفذت قوة صهيونية من وحدتين: وحدة مظليين رقم 890، ووحدة من الفرقة رقم 101 للقوات الخاصة، بقيادة المجرم السفاح (إيريل شارون)، في ليلة الرابع عشـر من تشـرين الأول عام 1953، مذبحة، ونص الأمر على: "تنفيذ هدم وإلحاق ضربات قصوى بالأرواح، بهدف تهجير سكان القرية من بيوتهم".
وقُتل 69 رجلاً وامرأة، وجرح المئات، ونسف 45 منزلاً ومدرسة ومسجداً. ومن ذلك التاريخ أطلق على (قبية): "مدينة قبية الشهيدة".
شجب مجلس الأمن الدولي العملية ، وكذلك وزارة الخارجية الأمريكية، وتم تعليق المعونات الأمريكية لإسرائيل بشكل مؤقت.
ندّد الشيخ الزهاوي بتلك الجريمة، وقد وجه نداء إلى الشعب العراقي، دعاه فيه إلى اتخاذ اليوم الذي حصلت فيه تلك المجزرة يوماً تذكارياً، يتذكر فيه المسلمون هذه الجريمة، كما دعا إلى عدم جعل تلك الجريمة مدعاة لليأس، بل باعثاً للأمل؛ في اكتشاف السياسة الصهيونية وتعريتها.
كما وجّه الشيخ الزهاوي نداءً دعا فيه الشباب المسلم إلى الانتقام، ثأراً للدماء التي أريقت في قرية (قبية). ووجه الشيخ الزهاوي برقية إلى اللواء محمد نجيب، وحكومة الضباط الأحرار في مصـر، دعاهم من خلالها إلى حماية الفلسطينيين من أن تمتد لهم يد الصهاينة([59]).
أعلنت مصـر، في أيار عام 1967، إغلاقها خليج العقبة، الأمر الذي أدى إلى تحول الصـراع من قضية تهديد لسوريا، وحشد القوات على حدودها، إلى قضية إغلاق ذلك الخليج. وفي حزيران عام 1967، أعلنت بريطانيا عن نيتها في إرسال بعض القطع البحرية لتأمين المرور في الخليج، الأمر الذي دفع الكيان الصهيوني إلى عدوانه في صباح الخامس من حزيران.
وخلال الفترة التي سبقت العدوان، وجه الشيخ الزهاوي نداء باسم جمعية رابطة علماء الدين في العراق، دعاهم إلى الجهاد وتوحيد الكلمة ورص الصفوف، استعداداً للمعركة. وخلال العدوان أصدر الشيخ الزهاوي فتوى دينية، جاء فيها: (الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة قادر على حمل السلاح، وواجب على حكام المسلمين إعلان الجهاد...).
وقد أصدر الشيخ أمجد الزهاوي هذه الفتوى في صباح الخامس من حزيران([60]).
وبعد ذلك العدوان، أرسل الشيخ الزهاوي مذكرة إلى رئيس الجمهورية عبدالرحمن محمد عارف، جاء فيها: "كان من آثار العدوان اليهودي الأخير، واحتلالهم جزءاً من بلاد المسلمين في مصـر والشام والأردن والقدس الشـريف والمسجد الأقصى، أن هاج شعور المسلمين، وتنبهت فيهم معاني الإيمان والعقيدة الإسلامية، وأظهروا استعدادهم للجهاد في سبيل الله، ومقاتلة اليهود المجرمين، مما يدل على بقاء العقيدة الإسلامية حية في النفوس. وحيث إن الخطر اليهودي لا يزال قائماً، يزداد يوماً بعد يوم، وتسنده قوة الكفر والصليبية العالمية، فقد صار لزاماً وواجباً شرعياً على كل مسلم، ولا سيما العلماء والحكام، تدارس الأمر، بعد أن أصبحنا مهدّدين في حياتنا وأعراضنا وديارنا.
وقد كنا نأمل من سيادتكم أن تجمعوا أهل الرأي والخبرة من أبناء الشعب العراقي المسلم، وعلى رأسهم علماء المسلمين، ودعاة الإسلام، وهم كثيرون، للمشاورة معهم، وسماع آرائهم في هذا الأمر الخطير، وغيره من الشؤون العامة. كنا نأمل هذا، ولكن دهشنا عندما سمعنا وقرأنا في الجرائد المحلية، أن سيادتكم ستعقدون اجتماعاً مع الفئات والعناصر القومية، لمناقشة مشـروع ميثاق العمل الوطني الذي أعدته لجنة من العناصر القومية، وبأمر من سيادتكم.
ونحب أن نقول هنا: إذا كان من حق هذه العناصر أن تبدي رأيها في السياسة العامة لهذا البلد، وتحظى بدعوتكم للاجتماع بها، فمن حقنا نحن علماء الإسلام ودعاته، أن تسمع آراؤنا فيما يجب لمواجهة الخطر اليهودي المخيف، ومن يسند هذا الخطر من كفرة ومستعمرين.."([61]).
سبل الخروج من المأزق:
وقد لخّص الشيخ الزهاوي، في تلك المذكرة، الحلول التي يجب عدها علاجاً للخروج من تلك الأزمة. ومن أبرز تلك الحلول التي قالها: "أولاً: يجب إخراج قضية فلسطين من النطاق العربي، الذي وضعت فيه، إلى المجال الإسلامي الفسيح، واعتبارها قضية إسلامية كبرى تهم المسلمين جميعاً، ولا تخص العرب فقط. وبهذا نستطيع أن نحشد جميع الطاقات والإمكانات الإسلامية ضد اليهود المجرمين. لقد قابلنا بعض سفراء الدول الإسلامية في بغداد، وطلبنا منهم تأييد بلادهم لقضية فلسطين، فأبدوا كامل استعدادهم، كما أبدوا رغبتهم لو أن إخوانهم العرب، وهم مسلمون مثلهم، اعتبروا قضية فلسطين قضية إسلامية عامة، ليكون هذا دافعاً لحكوماتهم للاندفاع بحماس إلى نصرة فلسطين.
ثانياً: الأخذ بأسباب النصر: وهي نوعان: معنوية ومادية:
إن هذه التعبئة الروحية القائمة على أساس الإسلام، شرط لازم لنصـرة الله لنا، قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُـرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ]([62])، ونصرة الله إنما تكون بنصـرة دينه، أي الدعوة إليه، وتطبيق أحكامه ومناهجه، وإن الاستجابة لما نقول استجابة لأمر الله، وتحقيق للحياة الكريمة، كما قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ]([63]).
ثالثاً: توحيد أبناء الشعب: إن كل عمل جدّي نافع في مواجهة الخطر اليهودي، وخطر الكفار المستعمرين، يستلزم توحيد أبناء الشعب، ورص صفوفهم، وإزالة الفرقة فيما بينهم. وحيث إن الأكثرية الساحقة من أهل العراق مسلمون، وفيهم عرب وأكراد، فيستحيل توحيدهم إلاّ على أساس الإسلام، وحمل لوائه وشعاره ودعوته.
إن الشعب العراقي يدين بالإسلام، ولا يؤثر فيه غير صوته، ولا يستجيب إلاّ لندائه، ولا يتوحد إلاّ تحت رايته، ولا يجمع بين أبنائه غير كلمته، ولا يدفعه للجهاد الحقيقي غير دعوته. أما الدعوات الأخرى؛ من قومية واشتراكية وتقدمية، فهي دعوات جاهلية، تفرق ولا توحد، تباعد ولا تقرب.
رابعاً: تطهير المجتمع من الفساد والفحشاء، ومثيرات الشهوات، وإشاعة روح الجندية والجدية في المواطنين، وإبعادهم عن اللهو والمجون والميوعة، فإن الأمة المجاهدة لا تعرف اللهو ولا الانشغال في سفاسف الأمور، وهذا يقتضـي إعادة النظر في مناهج الدراسة والإذاعة والتلفزيون، ورقابة الصحف والمطبوعات.
خامساً: نقترح تكوين مجلس شورى من أصحاب الرأي والخبرة، ممن عرفوا بالاستقامة والصدق والإخلاص والعفة، والتمسك بالإسلام، وهجر ما سواه. وتكون مهمة هذا المجلس المشاورة، وإبداء الرأي في السياسة العامة للدولة.
هذه بعض آرائنا، نقدمها إليكم على عجل، قياماً منا بحق النصيحة لكم، كما أمرنا الله تعالى، وحرصاً منا على مصلحة بلدنا، فإن أخذتم بها وفقتم إلى الرشاد، وأثبتم ثواب العاملين، وإن لم تأخذوا بها، فحسبنا أننا أدينا الأمانة، وذكّرنا، وحسبنا الله ونعم الوكيل..."([65]).
وقد حظيت تلك المذكرة بتأييد المراجع الدينية في العراق، ومنها الهيئة العلمية في مدرسة مدينة العلم في الكاظمية، من خلال المذكرة التي رفعها الشيخ محمد مهدي الخالصي إلى رئيس الجمهورية عبد الرحمن عارف([66]).
وعندما نتمعن في هذه المذكرة وغيرها.. نرى أن الشيخ الزهاوي كان يرى:
كان الشيخ الزهاوي يرى أن المسلمين ضعفوا عسكرياً، ثم توالت عليهم الهزائم، لذا كان - رحمه الله - يؤمن بالقوة، ويقول: لو خيرت بين حاكم قوي مستبد، وآخر ضعيف عابد؛ لاخترت الأول، لأن قوته ستكون للأمة، وفسقه واستبداده عليه. أمّا العابد الزاهد الضعيف، فعبادته لنفسه، وضعفه يعود على الأمّة.
([1]) إن حدود القداسة والبركة لأرض فلسطين غير مرتبطة بالضرورة بالحدود الجغرافية المتعارف عليها حالياً، وهي حدود وضعها الاحتلال البريطاني في النصف الأول من عشرينيات القرن العشرين.
([2]) جريدة الشهاب اللبنانية، العدد (22) الصادر: 15/12/1967.
([3]) الإمام أمجد الزهاوي، كاظم المشايخي: 19.
([4]) أصدرت بريطانيا قرارها 14 كانون الثاني (يناير) 1931، ووافق مجلس الأمم في 5 أيار (مايو) عام 1930 م على تأليفها.
([5]) جريدة العراق (بغداد)، العدد (2866)، 12 أيلول 1929.
([6]) جريدة الاستقلال (بغداد) العدد (3014): 4 تشرين الأول 1937.
([7]) جريدة الإبلاغ (الموصل)، العدد (603) 10 أب 1937.
([8]) جريدة العقاب (بغداد)، العدد (334) 6 تموز 1937.
([9]) نص نداء أو فتوى الشيخ الزهاوي:
نداء من جمعية رابطة العلماء في العراق إلى الشعب العراقي الكريم خاصة، والعالم الإسلامي عامة:
بسم الله الرحمن الرحيم
نظراً إلى اشتداد الأزمة الأخيرة بين اليهود الصهاينة المعتدين وبين الأمة الإسلامية، بسبب الاعتداءات من هذه العصابة المجرمة بقتل الأنفس البريئة، وهتك الحرمات، ونهب الأموال، ولخطورة الموقف الذي أصبح يهدد البلاد الإسلامية جمعاء، فإننا نؤكد للأمة أن الجهاد الآن قد أصبح فرض عين على كل مسلم يطيق حمل السلاح، عملاً بقوله تعالى: [وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ](البقرة: 193)، وقوله تعالى: [فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا](النساء: 74)، وقد وعد الله سبحانه المؤمنين الصادقين بالنصـر والظفر، فقال تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ](الأنفال: 65).
هذه عدة من الله تعالى، وبشارة لعباده المؤمنين بالنصـر مهما كانت الظروف. ولما كانت الأمة المحمدية هي المنتدبة من قبل الله - عز وجل - لإقامة دينه، وإعلاء كلمته، فقد أصبح لزاماً عليها أن تجاهد المعتدين؛ بعربها وعجمها، لتتبوأ مكانتها التي أرادها الله لها، إذ كل تقصير أو تهاون يقع منها في أمر الله، يعتبر من الجرائم الكبرى التي لا يجازي بها الله عليها إلاّ بالذل والهوان والدمار: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ](محمد: 7).
والجمعية إذ تتقدم إلى أبناء الأمة بهذا النداء الشـرعي، معاهدة تقدمها للصفوف ببذل النفس والنفيس في سبيل استرجاع أولى القبلتين وثالث الحرمين الشـريفين، تناشد أبناء الأمة، وعلى رأسهم قادة العرب والمسلمين، أن يقفوا عند حدود الله، ويأتمروا بأوامره، ويوحدوا كلمتهم، وينزعوا الأحقاد من صدورهم، ويتدرعوا بتقوى الله: [إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ](الأنفال: 15- 16). وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا زلتم منصورين على أعدائكم ما دمتم متمسكين بسنتي، فإن خرجتم عن سنتي، سلَّط الله عليكم مَن لا يخافكم ولا يرحمكم، حتى تعودوا إلى سنتي)(رواه أبو داود كتاب البيوع، حديث رقم 3462).
وقد أحسن سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – حين كتب إلى جنده وقادة جيشه يوصيهم بتقوى الله، مذكراً إياهم بأن ذنوب الجيش أخوف عليه من سلاح عدوهم، وإننا لا ننتصـر على أعدائنا بكثرة العدد والعدة، وإنما بتقوى الله: [وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ](الطلاق: 2).. وختاماً حسبنا الله، ونعم الوكيل، نعم المولى، ونعم النصير.
توقيع:
أمجد الزهاوي
رئيس جمعية رابطة العلماء في العراق
([10]) مجلة (التربية الإسلامية)، بغداد، السنة التاسعة، العدد (الثامن)، ربيع الأول 1387هـ - حزيران 1967م. وانظر: الإمام أمجد الزهاوي، للمشايخي، ص288- 289.
([11]) الشيخ أمجد الزهاوي، د. مجول محمد العكيدي: 148.
([12]) جريدة الأخبار (بغداد) العدد (119)، 3 تشرين الثاني 1937.
([13]) مجلة الكفاح (بغداد) السنة الأولى، العدد (2)، 12 أيلول 1947، ص18.
([14]) مجلة الكفاح (بغداد) السنة الأولى، العدد (4)، 29 أيلول 1947، ص50.
([15]) جريدة نصير الحق (الموصل)، العدد (499)، 10 كانون الأول 1947.
([16]) نداء الإسلام، الصواف: 197.
([17]) جريدة الهدى (الموصل)، العدد (71)، 16 مايس 1948. لا بد من الإشارة إلى أن الشيخ الزهاوي، وبقية أعضاء تلك اللجنة، كانوا قد زاروا الموصل التي وصلوها بتاريخ 12 أيار 1948 قادماً من بغداد، فأقيم لهم في 22 أيار حفل في قاعة الإعدادية المركزية في الموصل، وألقيت فيه بعض المواعظ والخطب لغرض دعم القضية الفلسطينية. وقد حضر ذلك الحفل متصرف الموصل، وكان ذلك قبل أن يتوجهوا إلى مناطق كوردستان. جريدة نصير الحق (الموصل)، العدد (528)، 5 مايس 1948.
([18]) مجلة الكفاح (بغداد) السنة الأولى، العدد (1)، 16 أيلول 1948، ص22.
([19]) صفحات من تاريخ الدعوة في العراق، الصواف: 141.
([20]) في رسالة وجهها الشيخ أمجد الزهاوي إلى الملك سعود، ملك المملكة العربية السعودية، شيخ علماء العراق: 140.
([21]) الإمام أمجد الزهاوي، المشايخي: 220.
([22]) نداء الإسلام، الصواف: 76.
([23]) الشيخ أمجد الزهاوي، د. مجول: 99. هذا وقد فاز الشيخ الزهاوي برئاسة الجمعية في جميع الانتخابات التي كانت تقوم بها الجمعية، ومنها الانتخاب الذي جرى في عام 1954، جريدة السجل (بغداد)، العدد (1337)، 18 كانون الثاني عام 1954.
([24]) من سجل ذكرياتي، الصواف: 174. وينظر الصواف: نداء الإسلام: 170.
([25]) صحيفة الأخبار (بغداد) العدد (25)، 11 نيسان/1956.
([26]) صحيفة السجل (بغداد) العدد 1788, 18/نيسان/1954.
([27]) تقع هذه المنطقة في شارع الرشيد، وتنسب على الأغلب إلى حيدر جلبي الشاهبندر، من معاصري محمد باشا الخاصكي، الذي ولي بغداد عام 1656م.
([28]) صحيفة لواء الاستقلال (بغداد) العدد 254، 24 تشرين الثاني 1947.
([29]) ينظر: معركة الإسلام، الصواف: 164، والطريق إلى القدس، الدكتور محسن محمد صالح: 185.
([30]) أصداء القضية الفلسطينية، النحاس: 302، ومن سجل ذكرياتي: 175.
([31]) معركة الإسلام، الصواف: 167.
([32]) من سجل ذكرياتي، الصواف: 198.
([33]) من سجل ذكرياتي: 176ـ177.
([34]) الإمام أمجد الزهاوي: 71.
([35]) نداء الإسلام، الصواف: 107.
([37]) مقابلة مع الملا حسين المارونسي، في بيته في دهوك، بتاريخ: 20/11/2010.
([38]) عن الأستاذ نوري فارس في مقابلة له في بيته في السليمانية، بتاريخ: 7/11/2012.
([39]) الإخوان المسلمين العراق، د. إيمان الدباغ: 266.
([40]) سورة التوبة، الآية: 41.
([41]) حديث رواه البخاري، كتاب الجهاد، باب: فضل من جهّز غازيًا أو خلفه بخير، ومسلم، كتاب الإمارة، باب: فضل إعانة الغازي في سبيل الله.
([42]) جمعية الأخوة الإسلامية في العراق، الدباغ: 147.
([43]) مجلة الصراط المستقيم (بغداد)، العدد (24)، 28 كانون الأول 1931.
([44]) شيخ علماء العراق المعاصرين، الصواف: 82.
([45]) شيخ علماء العراق، الصواف: 88.
([46]) نداء الإسلام، الصواف: 195، والشيخ أمجد الزهاوي، د. مجول محمد العكيدي.
([47]) سورة الإسراء، الآية: 1.
([49]) شيخ علماء العراق: 96- 97.
([50]) هذا العنوان ذكره الشيخ الصواف في كتابه: شيخ العلماء المعاصرين: 95.
([51]) المخططات الاستعمارية لمكافحة الإسلام، الصواف: 6.
([52]) من شريط مسجل للأستاذ محمد محمود الصواف.
([53]) جريدة السجل (بغداد)، العدد: (1712)، 23 كانون الأول 1953.
([54]) جريدة الزمان (بغداد)، العدد: (4952)، 1 شباط 1954.
([55]) جريدة فتى العراق (الموصل)، العدد: (112)، 18 شباط، 1954.
([56]) جريدة السجل (بغداد)، العدد: (1714)، 16 كانون الثاني 1954.
([57]) شيخ علماء العراق المعاصرين: 66.
([58]) مجلة الأخوة الإسلامية (بغداد)، العدد (10)، 2 حزيران، السنة الثانية، 1954 ص9. وشيخ علماء العراق: 53.
([59]) جريدة السجل (بغداد)، العدد (666)، 23 تشرين الأول 1953.
([60]) جريدة الجمهورية (بغداد)، العدد (1217)، 6 حزيران 1967.
([61]) مجلة التربية الإسلامية، بغداد، السنة التاسعة، العدد التاسع، ربيع الثاني 1387هـ ـ تموز 1967م: 26.
([63]) سورة الأنفال، الآية: 24.
([64]) سورة الأنفال، الآية: 60.
([65]) مجلة التربية الإسلامية، بغداد، السنة التاسعة، العدد التاسع، ربيع الثاني 1387هـ ـ تموز 1967م: 26ـ28.
([66]) الشيخ أمجد الزهاوي، د. مجول: 153.
---
¨ مجلة الحوار ǀ العدد 186 ǀ السنة الحادية والعشرون ǀ شتاء 2023