يطالب الفلسطينيون والعرب في مؤتمراتهم العلنية بما يسمى (حل الدولتين)، وهو المصطلح المتداول لغرض إثبات دعم القضية الفلسطينية، والذي لم يثبت حتى الآن رغم حجم الدعم المعنوي الجماهيري أولاً، ثم الرسمي العربي في المؤتمرات، وبعض الرسمي الغربي للشعب الفلسطيني المنكوب في غزة والضفة والخارج.
إنه إذ توجد بالفعل دولة قائمة ضمن شق مصطلح (الدولتين)، أي (إسرائيل)، فلماذا التركيز الدائم على ذلك؟ رغم أن المطلوب بوضوح هو تحقيق استقلال دولة فلسطين القائمة، ولكنها الواقعة تحت الاحتلال؟ أي دولة غير مستقلة بل محتلة!
يعني ببساطة من المفترض أن تكون المطالبة الحقيقية للعالم (غير العادل) هي بإزالة الاحتلال عن دولة فلسطين المحتلة وتحقيق استقلالها.
دعني أقول إننا بحاجة لتصحيح المفاهيم والدعوة لها، ومن ثم الإبلاغ والدعوة عبر أكتاف صلبة تحملها وتحققها، فلا قيمة لأي فكرة – حتى لو تكرر ذكرها – دون أي فعل ملموس على الأرض. ولنتأمل في النقاط التالية:
1- (حل الدولتين) المعروف، هو الوارد في قرار الأمم المتحدة عام 1947م، أي الوارد بقرار تقسيم فلسطين المرقم 181، حيث قسمت أرض فلسطين سياسيًا بين دولتين؛ الأولى: (الدولة اليهودية)، بمساحة 57,7٪ من أرض فلسطين، والثانية: العربية؛ بمساحة 42,3%، والقدس وبيت لحم والأراضي المجاورة تحت الوصاية الدولية. هذا هو حل الدولتين المعروف حسب الأمم المتحدة.
2 – كان الطرح الأصلي لحركة التحرير الوطني الفلسطيني – فتح، والمقاومة أو الثورة الفلسطينية، هو إقامة دولة ديمقراطية لا طائفية، تضم المسلمين والمسيحيين العرب واليهود، على كامل التراب الوطني الفلسطيني، وبدون الأيديولوجية الصهيونية العنصرية الإقصائية للآخر. ولمّا واجه الأمر رفضًا أوروبيًا وغربيًا من صناع (إسرائيل) بشراسة الحامي المذعور، كان السعي نحو إقامة دولة على أي شبر يتم تحريره أو استرجاعه.
3 – إثر الانتفاضة المجيدة، قامت منظمة التحرير الفلسطينية عام 1988 بالجزائر، بإعلان قيام دولة فلسطين، ووضح لاحقًا على حدود 4 حزيران 1967م، ضمن وعد أمريكي بتحقيق الدولة الفلسطينية في مقابل الاعتراف بـ(إسرائيل)! وهو الوعد الخاوي من أي فعل حقيقي، مما يتفوه به حتى اليوم الرئيس الأمريكي (بايدن)، وسلفه قبله، وربما خَلَفه!
4 – حققت منظمة التحرير الفلسطينية الاعتراف بدولة فلسطين عضوًا (مراقبًا) بالأمم المتحدة عام 2012، باعتراف 139 دولة بالعالم!
5 – اكتسبت دولة (إسرائيل) اعترافًا فلسطينيًا غير متكافئ وظالم، حين قامت منظمة التحرير الفلسطينية بالاعتراف بها، وهي لم تقم بالمقابل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ولو من حيث المبدأ، لا أثناء (اتفاق أوسلو)، ولا بعده. بل قوضت عمليًا (اتفاق أوسلو) عام 1999، ثم باغتيال المؤسس الخالد ياسر عرفات، وما خطواتها العدوانية الفاشية التي لم تتوقف حتى اليوم إلا الإمعان ميدانيًا بالاعتداء على أراضي دولة فلسطين المحتلة.
6 – القيادة الإسرائيلية تكاد تكون كلها اليوم مجمعة على إسقاط (فكرة) أو إفراغ مبدأ الاعتراف العالمي بالدولة الفلسطينية من مضمونه؛ بما تصرّح به علنًا، وبما تقوم به على الأرض. وهي المتوجب منها أولًا الاعتراف بدولة فلسطين القائمة بالجغرافية المحددة، ولكنها تحت الاحتلال، والمعترف بها عالميًا.
6 – كيف لأيٍّ كان أن يُلزم الطرف الواقع تحت الاحتلال، أو أي من تشكيلاته السياسية، الاعتراف بدولة (إسرائيل)، وبلا أفق تبادلية مطلقًا، حيث إن كل الطيف السياسي الإسرائيلي – بالحكومة وخارجها – يدمّر – وعن عمد وعلنًا – كل أسس (تجسيد/ تحرير/ تحقيق استقلال) الدولة الفلسطينية القائمة، والمعترف بها، لكنها المحتلة؛ بقتل أو تهجير الشعب، وبسرقة الأرض والثروات بالضفة، والتدمير الشامل والإبادة الحالية (في غزة)، وبتهميش فلسطينيّ الخارج، وحق العودة، عبر جهود إلغاء (الأنروا) الحثيثة.
7 – قامت دولة (إسرائيل) بقرار دولي، و(ضمن شروط)، أنها تتعهد بتطبيق قرار (الجمعية العامة)، الصادر في 29 نوفمبر 1947 (قرار تقسيم فلسطين)، وقرار حق العودة اللاجئين الفلسطينيين، حيث “وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم، والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات”، وما يعني تحديد الحدود للدولة، وهذا ما لم يحدث لحد الآن.
8 – لا تحتاج (إسرائيل) الاعتراف منّا ككل فلسطيني، فهي الدولة المحتلة والمهيمنة صاحبة السجل الحافل بالجرائم والتحايلات والتنصلات والتضليلات والمجازر التي لا تتوقف، إلى الدرجة التي لا ترى فيها الآخر، ولا تعترف به حتى كإنسان (وحوش بشرية)! بقدر ما نحتاج نحن الواقعون تحت وطأة الاحتلال والاستعمار، لإزالة الاحتلال عن دولة فلسطين المحتلة القائمة والمعترف بها عالميًا. وما يحصل في قطاع غزة المنكوب اليوم، وعبر أكثر من 70 عاماً من الكوارث، ومسلسل القتل في فلسطين، واضح فيها من المعتدي والرافض والمقوّض للتسوية أو السلام.
9 – دولة فلسطين التي تم إعلانها، والقائمة بالحق الطبيعي والتاريخي والقانوني والسياسي، والتي تم الاعتراف بها لاحقاً دوليًا عام 2012م، لا تعاني من مشكلة (قيام الدولة)، فهي قائمة، وتم إعلانها (1988م)، ولا تعاني ثانيًا من مشكلة (الاعتراف العالمي)، فلقد تم ذلك بالأمم المتحدة من معظم دول العالم. وثالثًا: نعم، هي دولة قائمة ولكنها (تحت الاحتلال)، وهنا وجب النضال العالمي لإزالة الاحتلال عن أراضي الدولة بحدود 1967، وتحقيق استقلالها على الأرض.
10 – بناءً على كل ما سبق، فإن مصطلح (حل الدولتين) هو المرتبط بالقرار 181، أما تحقيق استقلال دولة فلسطين المحتلة القائمة، والمعترف بها على حدود أراضي فلسطين عام 1967م، فهو ما يجب التعامل معه. ما يحتاج من العالم لإزالة الاحتلال، لتجسيد التحرير والاستقلال لدولة فلسطين.
مجلة الحوار