الحرب على غزة تكاد تتجاوز النصف الأول من عامها الأول، والاحتلال الإسرائيلي ماضٍ في إبادته الجماعية بحق المدنيين العزل، من خلال ارتكاب المزيد من المجازر، وتدمیر المنشآت والمدن، وانتهاج سياسة التجويع.
والنقطة الجوهرية؛ أن الاحتلال الإسرائيلي لا يمكن أن يفعل أبداً ما يفعله في قطاع غزّة؛ من تهجير وتجويع وإبادة، لولا التغطية الغربية - الأمريكية، لسياساته وحروبه الهمجية على القطاع على وجه خاص، والأراضي الفلسطينية على نحو عام، ولولا السكوت والتواطؤ العربي المخزي. فهناك انتقائية واضحة في المواقف، ففي الوقت الذي كانت محكمة العدل الدولية -مثلاً- قد جمعت المعلومات الكافية حول انتهاكات حقوق الإنسان، منذ الأسبوع الأول من الحرب الأوكرانية، فإننا لم نسمع منها حرفاً واحداً عن انتهاكات حقوق الإنسان في قطاع غزة؛ لولا الدعوى التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا!
هناك قصص لا تعد في غزّة تروي حكاية النفاق الدولي بشأن قضايا الإنسان وحقوقه؛ نفاق يهدد السلم العالمي، ويمهد الأرضية الخصبة لولادة بيئة لا يشعر فيها أحد بأمن وأمان. والنفاق الدولي يمهد لظهور التطرّف، ويعزز بنيته التحتية، بدلاً من إضعافه وإنهائه.
من غير المعقول ألّا تدرك القوى الغربية مخاطر النفاق الدولي تجاه القضايا العادلة في العالم، وألّا تفهم أن الإنصاف في التعامل مع المسائل العالقة المشـروعة في المعمورة يخدم العدالة المرجوة، ويقلل المخاطر التي لا يريد أحد أن تواجه المنطقة والعالم، وتجرنا إلى صراع لا يعلم عاقبته سوى الله - عز وجل -.
لا يمكن للمتحكمين بالنظام العالمي أن يدعوا إلى عالم تسود فيه الديمقراطية، وقيم العدالة والإنصاف والمساواة، في الوقت الذي يدعمون فيه كل أشكال الانقلابات، وانتهاكات حقوق الإنسان، وقمع المختلفين فكرياً وسياسياً، ويغمضون أعينهم عن كل ما يجري ويحاك ضد الشـرعية والديمقراطية، عندما لا تجري السفن بما يشتهون!
لا ريبَ أنّ هذا النفاق الدولي تجاه القضايا المشـروعة؛ سيكون له عواقب وخيمة، وتتحمّل القوى الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية المسؤولية الكاملة عن كل ذلك.
ونذكّر الجميع أنّ الإبادة الجماعية - التي ترتكبها آلة الحرب الإسرائيلية بقطاع غزّة، بدعم مباشر من القوى العالمية، وفي ظل النفاق الدولي، وصمت حكام الشعوب المسلمة، المدعومة غربياً وأمريكياً - لن تضمن الأمان للكيان الإسرائيلي، ولن تصب في نهر السلم الذي تحلم به إسرائيل، منذ قيامها، بل ستزيد الطين بلة، وستفرض معادلة جديدة تنتهي لصالح العدالة والقضايا المشـروعة في المنطقة، والعالم بأسره.
مجلة الحوار